ابن خلدون و أنا

ابن خلدون و أنا

  • ابن خلدون و أنا

اخرى قبل 3 سنة

ابن خلدون و أنا

بقلم : إبراهيم الولي \ سفير عراقي سابق

لماذا العنوان

اولا : ابن خلدون 1332-1406م هو عبد الرحمن بن محمد بن خلدون و قيل

له االشبيلي و الحضرمي ، و إن كان

تونسيا بالوالدة و النشأة ، هو فيلسوف و عالم

م الذي يصر الغرب على ريادته لعلم االجتماع و من جاء بعده إميل دوركهايم ، و 1857اجتماع ، بل قل هو منشئ علم االجتماع من قبل اوغست كونت الفرنسي 1797

ّف ابن خلدون في 1377م نظرياته في

هم اصحاب النظرية الوضعية لعلم االجتماع . أل

:االجتماع و االقتصاد و الفلسفة و الفقه في سبعة مجلدات

) كتاب العبر و ديوان المبتدأ و الخبر في ايام العرب و العجم و البربر و من عاصرهم من

ذوي السلطان األكبر ( و كتب مقدمة للكتاب أسهب فيها حتى صارت دائرة معارف تكنى

بالمقدمة .

لماذا أنا في العنوان !

لعل القارئ سيستغرب صلتي الروحية بهذا الفيلسوف الكبير، إنما هي المناسبة السعيدة أن

كنت انا،إبراهيم الولي ، احد تالمذة االستاذ الدكتور علي عبد الواحد وافي رحمة للا عليه

1901-1991م عالم االجتماع الذي لقب بابن خلدون المصري ، هذا الفاضل العالم كان

قد درس االجتماع في السوربون على يد االستاذ الفرنسي ” فوكونيه ” الذي يكون وريث

إميل دوركهايم ،منشئ المدرسة الوضعية لعلم االجتماع الذي اكمل فيها ما بدأ اوغست

كونت في إخضاع قوانين حركة المجتمع للمالحظة و التجربة واالختبار و هي النظرية

العلمية لدراسة المجتمعات . و قد كان لولع و اهتمام الدكتور وافي بابن خلدون و

أل عنه ثالثة كتب هي : ّ فلسفته ،أن ف

عبقريات ابن خلدون ،

ابن خلدون ُمنشئ علم االجتماع ، و

تحقيق مقدمة ابن خلدون

و عندما تخرجت 1952م من جامعة فؤاد االول في القاهرة ، و سرت في دروب الحياة

حتى نضجت كدبلوماسي عراقي ولج خضم العالقات الدولية ، زاد فهمي و اعجابي بابن

خلدون و آرائه ، خصوصا ما جاء منها في معالجات لجميع مبادئ المعرفة، كتطور االمم

.و الشعوب و نشأة الدولة و اسباب انهياره.

ُملك . يقول إ ّن

تقع مقدمة ابن خلدون في ستة ابواب ؛ ثالثها عن الدول و الخالفة و ال

الحضارة كالكائن الحي في حياته، تولد و تهرم و تندثر، و إ ّن الجغرافية و البيئة تؤثران

في تاريخ االمم في مسيرته، و إن تطور التاريخ خاضع للتدافع و الصراع و التفاعل ، و

هنا يبدو لي واضحا مدى تأثر المؤرخ البريطاني ” أرنولد توينبي“ صاحب نظرية

التحدي و االستجابة في التاريخ البشر ي ،أي الجيوبولتيك الذي يأخذ به الكتّاب في الغرب

، حتى لقد قال توينبي في ذلك : إن ابن خلدون صاغ فلسفة للتاريخ هي دون شك أعظم ما

توصل اليه الفكر البشري في مختلف العصور.

ما دفعني الى الكتابة اآلن عن ابن خلدون أني وجدت في وصفه الدقيق لقيام الدولة و

نمائها و من ثم انهيارها ما ينطبق ال درجة كبيرة على الواقع السياسي لدول عديدة في

العالم و في منطقتنا العربية بل و حتى غير العربية منها . هو يقول و كأنه يتنبأ منذ

سبعمائة عام بان الدول ، و انا ادعو القارئ الكريم ان يستقرئ و يتمعن معي حديثه عن

الحضارة و الدول ،إذ يقول:

قُ لها من العمر ثالث مراحل ، لكل منها، تقدر إذا بدأ هرم الدولة او النظام التي در

تنازليا نحو األسوأ ، حتى ال يمكن عندئذ بثالثين سنة ، فان ُم ن حن ى التدهور سيكون

قُ للبشر على ر ّده ، حتى لو ظهر سياسيون محنكون اصالح األمر ، فذلك امر حتمي ال درة

يتوهمون القدرة على االصالح ، فالتدهور سيستمر الى ان ينهار النظام . وإن السبب

الرئيس لعدم قدرة اولئك الحكام على إحداث التغيير هو وجود فئات ال ترغب، و ال

ابناؤها ، بالتغيير ، بل لعلها تقف بالضد منه اي تحقيقه ، بما يؤول الى استمرار الهبوط

نحو االنهيار الكامل ، و السبب لذلك امران :

ا - النظام الزمني الذي سيطرت عليه فئة او طائفة او عصبة منتفعة ،او

ب - حصول الخلل المالي في الدولة بما اوصل فئة من القوم الى ان تكون أغنى من الدولة

ذاتها ، فال مجال و الحالة هذه الى اإلطاحة بالدولة ، بل لعلهم سيسعون الى س ّن قوانين

فُصلت لتضمن مصالحهم . و عن انهيار الدولة و العمران ، يقول:

ُملك ِخالل الخير ُم إن االستبداد لك

بال و حصول الترف، وهو مفسدة لل ُخلق، يذ ِهب عن ال

ويدني الشر، و تلك هي عالمات اإلدبار و اإلنقراض. فتصيب الدولة عوامل العطب حتى

تهرم و يقضى عليها،

الظلم، وتكليف الرعايا و تسخيرهم بغير حق حتى تُغتصب قيمة عملهم بما يؤدي الى

خراب العمران.

التسلط على اموال الناس بشراء ما بين ايديهم بأبخس االثمان ، ثم يصار الى بيعها لهم

بأعلى ثمنن .

و اخيرا فان ابن خلدون يرى ان الحضارة تمر عبر اطوار ثالثة : البداوة ، و التحضر و

في النهاية االنحالل والتدهور، و في هذه يقول :

عندما تنهار الدول ، يسود الرعب و يلوذ الناس بالطوائف، و تظهر العجائب و تعم

االشاعة فيكثر المنجمون و المتسولون و المنافقون و المتسيسون و المدّعون و الكتبة

و القوالون و االنتهازيون و ال مد ا ُحون و اله ّجاؤن و قارئو الكف ، فيضيع التقدير و

يسوء التدبير و يختلط الصدق بالكذب و الجهاد بالقتل و يتحول الصديق الى عدو و يعلو

صوت الباطل و ينخفض صوت الحق و يصبح االنتماء الى القبيلة أشدّ ويصبح االنتماء

الى الوطن خرافة .

و يقول في الفتن التي تتخفى وراء قناع الدين بانها تجارة رائجة جدا في عصور التراجع

الفكري للمجتمعات.

تلك هي مقتطفات من تنظير ابن خلدون لعلم االجتماع و للفلسفة السياسية ،

وددت بهذه العجالة طرحها مبسطة الى القارئ العربي عامة و العراقي خاصة وهم ،

دون استثناء، يعيشون مخاضا سياسيا و اقتصاديا واجتماعيا، ق ّل ان م ر على شعوب

اخرى او كمثلها، لعل التذكير بها يحفز الضمائر التي استرخصت اآلثام و جرحت

الضمير الجمعي العراقي خاصة، و يا و يا لألسف ،على ان تستفيد و تتدارك اصالح ما قد أفسدت

التعليقات على خبر: ابن خلدون و أنا

حمل التطبيق الأن